بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول
تعريفه وحكمه
تعريفه [1] :
مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ فِي اللُّغَةِ:الْخَيْرُ وَالْفَضْل وَالصِّدْقُ وَالطَّاعَةُ وَالصَّلاَحُ[2]
وَفِي الاِصْطِلاَحِ:يُطْلَقُ فِي الأَْغْلَبِ عَلَى الإِْحْسَانِ بِالْقَوْل اللَّيِّنِ اللَّطِيفِ الدَّال عَلَى الرِّفْقِ وَالْمَحَبَّةِ،وَتَجَنُّب ِ غَلِيظِ الْقَوْل الْمُوجِبِ لِلنُّفْرَةِ،وَاقْتِرَانِ ذَلِكَ بِالشَّفَقَةِ وَالْعَطْفِ وَالتَّوَدُّدِ وَالإِْحْسَانِ بِالْمَال وَغَيْرِهِ مِنَ الأَْفْعَال الصَّالِحَاتِ[3].وَالأَْبَوَانِ:هُمَا الأَْبُ وَالأُْمُّ [4].وَيَشْمَل لَفْظُ ( الأَْبَوَيْنِ ) الأَْجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ [5].
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ:وَالأَْجْدَاد� � آبَاءٌ،وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ،فَلاَ يَغْزُو الْمَرْءُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ،وَلاَ أَعْلَمُ دَلاَلَةً تُوجِبُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الإِْخْوَةِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ .[6]
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
اهْتَمَّ الإِْسْلاَمُ بِالْوَالِدَيْنِ اهْتِمَامًا بَالِغًا.وَجَعَل طَاعَتَهُمَا وَالْبِرَّ بِهِمَا مِنْ أَفْضَل الْقُرُبَاتِ.وَنَهَى عَنْ عُقُوقِهِمَا وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ غَايَةَ التَّشْدِيدِ.كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ( سورة الإسراء / 23،24 )،فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَجَعَل بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مَقْرُونًا بِذَلِكَ،وَالْقَضَاءُ هُنَا:بِمَعْنَى الأَْمْرِ وَالإِْلْزَامِ وَالْوُجُوبِ .
كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ( سورة لقمان / 14).فَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِْيمَانِ،وَلِلْوَالِدَ يْنِ عَلَى نِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ.وَقَال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ:مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى،وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَهُمَا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال:سَأَلْتُ النَّبِيَّ r:أَيُّ الأَْعْمَال أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَل ؟ قَال:الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا قَال:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَال:بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَال:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَال:الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ "[7]،فَأَخْبَرَ r أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَل الأَْعْمَال بَعْدَ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ دَعَائِمِ الإِْسْلاَمِ [8].
وَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ؛لأَِنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ،وَلاَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ.فَقَدْ قَال رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَغْزُوَ الرُّومَ،وَإِنَّ أَبَوَيَّ مَنَعَانِي.فَقَال:أَطِعْ أَبَوَيْكَ،فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرَكَ [9]
وَالْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ،وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ،وَفَرْضُ الْعَيْنِ أَقْوَى مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ .
_____________
[1] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 63)
[2]- لسان العرب ، والمصباح المنير ، الصحاح مادة " برر " ، والكليات لأبي البقاء 1 / 398 ط دمشق ، وزارة الثقافة 1974
[3] - الفواكه الدواني على رسالة القيرواني 2 / 382 ـ 383 ، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيثمي 2 / 66 ط دار المعرفة ببيروت
[4] - لسان العرب ، والصحاح 1 / 5
[5] - حاشية ابن عابدين 3 / 220 ( التعليق على قول الشارح له أبوان ) ، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 3 / 242 ، والمهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 230 ، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 9 / 232ـ 233 ومطالب أولي النهى 2 / 513
[6] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 241 .
[7] - صحيح البخارى- المكنز - (527 ) وصحيح مسلم- المكنز - (264)
[8] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 237ـ 238 .
[9] - المهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 230 .
__________________
المبحث الأول
تعريفه وحكمه
تعريفه [1] :
مِنْ مَعَانِي الْبِرِّ فِي اللُّغَةِ:الْخَيْرُ وَالْفَضْل وَالصِّدْقُ وَالطَّاعَةُ وَالصَّلاَحُ[2]
وَفِي الاِصْطِلاَحِ:يُطْلَقُ فِي الأَْغْلَبِ عَلَى الإِْحْسَانِ بِالْقَوْل اللَّيِّنِ اللَّطِيفِ الدَّال عَلَى الرِّفْقِ وَالْمَحَبَّةِ،وَتَجَنُّب ِ غَلِيظِ الْقَوْل الْمُوجِبِ لِلنُّفْرَةِ،وَاقْتِرَانِ ذَلِكَ بِالشَّفَقَةِ وَالْعَطْفِ وَالتَّوَدُّدِ وَالإِْحْسَانِ بِالْمَال وَغَيْرِهِ مِنَ الأَْفْعَال الصَّالِحَاتِ[3].وَالأَْبَوَانِ:هُمَا الأَْبُ وَالأُْمُّ [4].وَيَشْمَل لَفْظُ ( الأَْبَوَيْنِ ) الأَْجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ [5].
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ:وَالأَْجْدَاد� � آبَاءٌ،وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ،فَلاَ يَغْزُو الْمَرْءُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ،وَلاَ أَعْلَمُ دَلاَلَةً تُوجِبُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الإِْخْوَةِ وَسَائِرِ الْقَرَابَاتِ .[6]
حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
اهْتَمَّ الإِْسْلاَمُ بِالْوَالِدَيْنِ اهْتِمَامًا بَالِغًا.وَجَعَل طَاعَتَهُمَا وَالْبِرَّ بِهِمَا مِنْ أَفْضَل الْقُرُبَاتِ.وَنَهَى عَنْ عُقُوقِهِمَا وَشَدَّدَ فِي ذَلِكَ غَايَةَ التَّشْدِيدِ.كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ( سورة الإسراء / 23،24 )،فَقَدْ أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَجَعَل بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مَقْرُونًا بِذَلِكَ،وَالْقَضَاءُ هُنَا:بِمَعْنَى الأَْمْرِ وَالإِْلْزَامِ وَالْوُجُوبِ .
كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ( سورة لقمان / 14).فَالشُّكْرُ لِلَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِْيمَانِ،وَلِلْوَالِدَ يْنِ عَلَى نِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ.وَقَال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ:مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى،وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَهُمَا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال:سَأَلْتُ النَّبِيَّ r:أَيُّ الأَْعْمَال أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَل ؟ قَال:الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا قَال:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَال:بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَال:ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَال:الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ "[7]،فَأَخْبَرَ r أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَل الأَْعْمَال بَعْدَ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ دَعَائِمِ الإِْسْلاَمِ [8].
وَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْجِهَادِ؛لأَِنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ،وَلاَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ.فَقَدْ قَال رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَغْزُوَ الرُّومَ،وَإِنَّ أَبَوَيَّ مَنَعَانِي.فَقَال:أَطِعْ أَبَوَيْكَ،فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرَكَ [9]
وَالْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ،وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ،وَفَرْضُ الْعَيْنِ أَقْوَى مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ .
_____________
[1] - الموسوعة الفقهية الكويتية - (8 / 63)
[2]- لسان العرب ، والمصباح المنير ، الصحاح مادة " برر " ، والكليات لأبي البقاء 1 / 398 ط دمشق ، وزارة الثقافة 1974
[3] - الفواكه الدواني على رسالة القيرواني 2 / 382 ـ 383 ، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيثمي 2 / 66 ط دار المعرفة ببيروت
[4] - لسان العرب ، والصحاح 1 / 5
[5] - حاشية ابن عابدين 3 / 220 ( التعليق على قول الشارح له أبوان ) ، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 3 / 242 ، والمهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 230 ، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج 9 / 232ـ 233 ومطالب أولي النهى 2 / 513
[6] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 241 .
[7] - صحيح البخارى- المكنز - (527 ) وصحيح مسلم- المكنز - (264)
[8] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 / 237ـ 238 .
[9] - المهذب في فقه الإمام الشافعي 2 / 230 .
__________________